مصير في خبر كان // قصة قصيرة للقاص : عماد بن عبد الكريم _ تونس


 مصير في خبر كان


..".ثمّ مزّقت صورته وألقيت بنتفها في كيس القمامة." حين أكملت الجملة شعرت بعدم القدرة على احتمال كبد الكرى توقّفت عن السّرد وأنا على وشك ختم القصّة وقد خامرتني فكرة التّنكيل بالبطل لأغفو فرأيت في منامي صاحبي وقد تشكّل لي بألف وجه وقدجاءني مستعطفاأن لا أؤاخذه بما فعله من شين استحقّ به ما بيّت له من نهاية مأساويّة وقد توجّه إليّ بقول فاه به جادلته فيه لا أستحضر منه إلاّ نتفا:

- الاستبلاه يا صديقي من جملة وسائل عبور اللّبيب إلى مآربه..."                                                                  

                                                                                 !!!   

-والكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس؟

- لقد قضي الأمر. "وإنّ غدا لناظره لقريب"

استيقظت وقد عزمت على أن أنهي القصّة وقد تعزّز يقيني بضرورة الإيقاع به خصوصا وأنّني استبطنت الأمر آنفا وأنا أغالب النّعاس.

حين استرسلت في كتابة الجملة الأولى "وفتحت الباب"راعني ما شاهدت لقد استغلّ بطلي انفتاح باب السّرد ليهرب في لمح البصر إلى الواقع وهو يقهقه...

بُهتُّ وأنا لا أكاد أصدّق ما رأيت وقد شُلَّ تفكيري، وبعد أن تماسكت، عبثا حاولت الإمساك به ولكنّه تبخّر.

لقد حكم على القصّة بعدم الاكتمال...

فتساءلت كيف لي أن أردّه إلى السّرد وقد تاه منّي في زحام المدينة الميغابوليس وقد رُصّت بالسلع والبشر المنمّطين؟

وبعد لأي شديد قادني حدسي إلى العثور عليه في محطّة مترو الأنفاق وقد تشكّل لي في هيئتي فدار بيننا حوار لا يزال إلى الآن يرنّ في مسمعي:

- هل يريحك قتلي ؟

- وما الذي يدعوك إلى التّفكير في ذلك ؟

- إنّها طبيعة الأمور والتّسلسل المنطقي للأحداث. ولا أخالك إلاّ تريد تسميمي أو إرسال أحدهم ليحدث بي عاهة لتنتقم لنفسك...

- لن أجرؤعلى فعل ذلك ولئن فكّرت في الأمر وقتلتك ستخلّد وسيظلّ ذكرك يعمر الكون...

- إن كان الأمر كذلك. فليكن قتلا رحيما ولكن شريطة أن تصحبني إلى مستشفى الحروق البليغة.

عندها تنفّست الصّعداء وأنا أمنّي النّفس بتتمّة آخر فصول القصّة ولكأنّ الشّبه الذي تشكّل لي به بيني وبينه لم يشفع له ولم يجعل فؤادي يرقّ أو يلين ... وكان له ذلك .غير أنّ ما راعني و دفعني إلى أن أعدل عن النّهاية المبيّتة، رؤية أشخاص في المشفى محترقين يئنّون ويتأوّهون متمنّين الموت وغير واجديه.

عندها أيقنت أنّ من رأى خطب غيره هان عليه خطبه وأنّ ما فعله بي صديقي لا يضاهي تأوّهة أحدهم.

وقفلت راجعا مع بطلي إلى السّرد وقد ازداد إصراري أكثر من أيّ وقت مضى على الصّفح عنه.

ولكأنّ بصاحبي قد توجّس منّي خيفة وتراجع عن قراره، فدفعته إلى ملكوته دفعا فسارع إلى تجييش بعض شخوص القصّ المقرّبين منه فشرعوا يتقافزون من عوالم الافتراض وكأنّهم من الأجداث ينسلون صائحين في وجهي "إنّ الحياة تعاش ولا تكتب" وقد جاء على لسان أحدهم وهو يتهدّدني "لو كنت واضعا حدّا لنهاية صديقنا فتخيّر من الخواتيم ما كان أفقها رحبا" وأردف آخر "لئن تعنّت فسنقوم بانتحار جماعيّ حرقا على عتبات سردك لنشعل قصّك ولا أخالك تجهل الضّرر الذي يلحق بمن أريد به حرق كتبه."

عندها تذكّرت قول جلال الدّين الرّومي "إنّ خوفك من الموت هو في الحقيقة خوف من نفسك فانظر من أيّ منهما تريد الخلاص." حينهاألقى صاحبي بالقلم وقد عزم على أن يترك مصير ذي الألف وجه بيد القارئ هويردّد أين منّا بشر يوقنون "أنّ الإنسان مشاريع مفتوحة على المستقبل" أم هو الوهم أم هو الوهم ؟...


[ ] عماد بن عبد الكريم

تونس

تعليقات