...تونس الخضراء مطمورة روما خمسة ملايين هكتار صالحة للزراعة في بلد فيه 11 مليون ساكن تقريبا . حوالي 65 مليون شجرة زيتون منتجة. 1300 كلم طول الشريط الساحلي يعني ثروة سمكية هائلة. كل هذه المؤشرات جعلتنا نراهن على القطاع الفلاحي في الصف الأول من أجل النهوض بالإقتصاد.تونس أنجبت كذلك أحد أقدم وأهم علماء الزراعة، "ماغون القرطاجي" الذي ألف موسوعة فلاحية من 28 جزءاً. بقيت الفلاحة العمود الفقري لاقتصاد البلاد عبر العصور وصولاً إلى سبعينيات القرن الماضي حيث بدأت مكانتها تتراجع نتيجة خيارات سياسية -اقتصادية وتغيرات اجتماعية - ديمغرافية. هذا التراجع صار يشكل خطراً حقيقياً، خصوصاً مع تضافر عوامل تهدد الفلاحة، بعضها طبيعي وبعضها الآخر نتيجة مباشرة سياسات وممارسات بشرية غير مسؤولة بحجة الإصلاح لكنها في العمق موجهة بالإساس لضرب القطاع .و الأخطر من كل ما سبق هو ما تحضّره الحكومة للفترة المقبلة، وتحديداً "اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي" (أليكا) التي تنص على تحرير التبادلات الفلاحية أيضاً بعد أن كانت مستثناة من الاتفاقيات السابقة. بدأت المفاوضات منذ 2016 دون فتح استشارة وطنية تسمح للمعنيين بالأمر بصورة مباشرة، من مهنيين ونقابات، أو المهتمين بالشأن العام عموماً، بفتح نقاش عام معمق وحقيقي يؤثر في القرار. ترفض عدة جهات مهنية وسياسية ومواطِنية هذه الاتفاقية، وتعتبرها خطراً داهماً على الفلاحة والسيادة الوطنية. فهذا "التبادل الحر" يعرِّض السوق المحلية لخطر غزو المنتجات الأوروبية ذات القدرة التنافسية الكبيرة، ويتطلب أيضاً من المنتجين التونسيين التقيد بالمواصفات الأوروبية، وهذا ما تم فرضه في سنة 2019 من قبل البرلمان عبر المصادقة على "قانون السلامة الصحية وجودة المواد الغذائية وأغذية الحيوانات" الذي، وإن كان عنوانه جذاب و رنان٫ فإنه عملياً سيكلف أغلب الفلاحين التونسيين ما لا طاقة لهم به من مصاريف وجهود إضافية فقط لكي تتطابق منتجاتهم مع "المواصفات الدولية".جملة هذه الأسباب كانت نتائجها وخيمة على القطاع حيث زادت مساحة الأراضي الزراعية المهملة وتهرّم قطاع الفلاحة. اليوم أصبحت نسبة العاملين في الفلاحة ممن تفوق أعمارهم 60 عاماً تتجاوز 45 في المئة. في حين أن نسبة الشباب (أقل من 35 سنة) لا تتجاوز 10 في المئة كأقصى تقدير. وتعترض الشباب المستعدين للعمل في هذا القطاع عدة عقبات مثل عدم القدرة على شراء او استئجار أرض، وضعف آليات التمويل العمومية والخاصة، بالإضافة إلى ضعف التكوين النظري والعملي المتلائم مع واقع البلاد واحتياجاتها.
اليوم و ليس غذا لابد من وقفة حازمة من الدولة و تغيير سياسة المراهنة على قطاعات أخرى على حساب القطاع الفلاحي لا بد من فتح أفاق جديدة خاصة لصغار الفلاحين و دعمهم من جميع النواحي ماديا و لوجستيا .
كما نطالب أيضا جهات الدولة المعنية بتوزيع الأراضي ذات الملكية الإشتراكية على الشباب والفلاحين الفقراء مما يمكّن من تشغيل عشرات الآلاف، ويطور الإنتاج الفلاحي ويضمن الأمن الغذائي، غير أن هذه الجهات مازالت تتلكأ وتناور، معطية الأولوية للمستثمرين الخواص أو التقنيين والمهندسين من خريجي مدارس الفلاحة، أي الذين يمتلكون الكثير من المال و/ أو المعرفة.
ختاما : نراهن و بكل قوة على القطاع الفلاحي و نعتبره العمود الفقري للإقتصاد التونسي و الضامن الوحيد لتحيق الأمن الغذائي و ما أدراك ما الأمن الغذائي في مفهومه الشامل.
#محمد_الصغير_بوزياني
تعليقات
إرسال تعليق