#لحظة شفاء
دخلت المستشفى مرتديا كمامتي و ملتزما بالإجراءات الوقائية لأخذ نتيجة التحليل .عند ولوجي رأيت مشهدا بقي لحد اليوم محفورا في ذاكرتي ...و لكن كيف أنسى ...؟كيف أنسى الممرضين و هم يحملون جثمان رجل توفي بذلك الفيروس الفتاك :الكوفيد تسعة عشر و هو في كيس بلاستيكي لوضعه في السيارة المخصصة و أبناؤه و زوجته يبكون و ينتحبون ..... لا يمكنهم تقبيله لآخر مرة ......لا يمكنهم توديعه حتى ....بل لا يمكنهم حتى لمسه و حضور جنازته .و لكم حز هذا المشهد في نفسي فشعرت بقلبي ينقبض في تلك اللحظة .و قد سقطت الدموع الحارة من عيني سقوط الأمطار الغزيرة ...تمنيت لو أن الأرض ابتلعتني و لم أر هؤلاء الأطفال و هم يصيحون بكلمة "أبي" و قد ظهرت علامات العذاب و الأسى على وجوههم البريئة التي لم تعرف شيئا من الحياة.
تذكرت في تلك اللحظة مشهد وفاة أبي لكنني كنت أسعد منهم لأنني استطعت توديعه و تقبيله و حضور جنازته بل وساعدت في حفر قبره .....و من شدة الأسى و الألم اللذان ملآ قلبي نسيت أمري ...فأنا كذلك مريض بهذا الداء الفتاك و قد جئت لأخذ نتائج التحليل ....قد أكون لا أزال مريضا بالكورونا ... قد يكون مصيري مثل مصيره ..لكن لن يبكي على وفاتي أحد لأنني وحيد في هذا العالم لا أبًا و لا أمًّا و لا عائلة ..لن أجد من يحزن لوفاتي ..لو أنني مت مكانه لكان الآن ممتنا لي لأنه سيشفى و يعود لأحضان عائلته ...ماهذا الذي أتفوه به ؟أستغفر الله ....لاحظ أحد الممرضين ذهولي و شدة تأثري فتقدم نحوي قائلا :"مرحبا سيدي أيمكنني مساعدتك في شيء ؟"أجبت مرتكبا :"جئ....جئت لأخذ نتيجة تحليل الكوفيد تسعة عشر ".أضاف :"أتمنى لك الشفاء العاجل !أتعرف مكان المكتب ؟"..فقلت :"نعم ..شكرا لك "..وصلت إلى المكتب ..لم يعد يفصلني عنه سوى بعض الخطوات أحسست باضطراب و برعشة في جسدي ..يدي تتحرك و تقرع الباب رغما عني ..قدمايا تتحركان إلى المكتب رغما عني ..أردت العودة إلى المنزل ..لم أرد معرفة النتيجة فقد حاولت كثيرا قبل و كانت النتائج كلها إيجابية ...لا سبيل لشفائي ..لكن شعورا قويا أجبرني على الدخول لربما هو قوة إيماني بقدرة الله سبحانه فقد كنت ألتزم بالدعاء وبالتسبيح بعد كل صلاة ..استقبلني الطبيب بابتسامته المعهودة ..كنت أنتظر سماع نفس الإجابة القديمة :"لا تزال مريضا سيدي عليك بمزيد العناية بنفسك ".كنت سأخبره بإسمي لكنني أدركت أنه عرفه أعتقد أن هذه الزيارة ستكون الأخيرة لربما ألحق بذلك الرجل المسكين فأرتاح من شر هذا العالم و مشاكله و لكن الطبيب أخذ ورقة النتيجة ونظر إلي و قد زادت ابتسامته و قال :"مبروك سيدي لقد شفيت تماما ".سقطت كلماته على مسمعي سقوط الصاعقة حتى أنني لم أصدق ما سمعت ...شعرت بفرحة عارمة ..نظرت إلى السماء و قلت :"الحمد لله! وأخيرا !جزيل الشكر و الحمد لك يا الله !"...شعرت بأنني طائر كنت في قفص ففتح وانطلقت في السماء حرا محلقا بين أحضانها ....شكرت الطبيب وودعت المستشفى وادعا أخيرا .عدت إلى المنزل في قمة السرور حتى أنني نسيت ذلك الرجل _تغمده الله سبحانه برحمته_ ...و منذ ذلك اليوم زادت ثقتي بخالقي وتمتنت فصارت مساعدة الآخرين معنويا و ماديا هي عملي في كل أوقات فراغي ...
#أماني عبدلي
تعليقات
إرسال تعليق