#قطرة حنين
ما ان اقتربت من الحي حتى رفعت عينيها إلى السماء تشاهد العمارات الشاهقة التي بنيت حديثا تطورات و تغييرات عديدة أحدثت : دكان العم مسعود الذي تحوّل إلى مغازة عصرية ودار الشيخ العتيقة تحولت إلى منزل عصري ذو طابقين والحديقة الكبيرة التي لعبت فيها طوال طفولتها مع الجيران احتلتها عمارات شاهقة خربت جمالها ومحت اخضرارها ... قابلها الجامع بصومعته العالية و حجارته العتيقة التي راحت تلامسها بكف يدها وهي تسترجع الدروس التي تعلمتها فيه وتستحضر أيام رمضان الجميلة و صلوات العيد ... واصلت مسيرها لتجد منزلها الذي بقي كما هو بعد وفاة والديها ... ابتسمت ابتسامة جمعت بين مرارة الحزن لشوقها لمن فقدت و حلاوة الفرح لبقاء المنزل صامدا دون أن يتعرض لأي تغيير ... دخلت بخطى ثابتة و قد هاجت عليها الذكريات ....
رأت نفسها و هي في السنة الرابعة من عمرها تركض في حديقته الواسعة بكل فرح و سعادة و أمها تراقبها خوفا من أن تسقط ..
رأت أول يوم بالمدرسة لها و هما بجانبها ...
رأت عيد ميلادها السابع و أصدقاؤها و جيرانها و أقرباؤها بجانبها و سعادتهم التي لا توصف ....
رأت نفسها تساعد والدها في زراعة أزهار القرنفل و سعادة عارمة ظاهرة على وجهيهما لا يمكن انكارها ...
رأت الأعياد التي تمر على منزلها مخلفة الضحكة و البهجة ...
و فجأة تذكرت اليوم الذي قلب حياتها رأسا على عقب ذلك اليوم الملعون الذي خسرت فيه والداها فاضت عيناها بالدموع لساعة من الزمن ثم تذكرته. أتراه مازال على العهد ؟ مسحت دموعها و توجهت إلى منزله فوجدته حطاما انتابها قليل من الذعر و توجهت إلى منزل الجارة المحاذية و طرقت الباب فخرجت امرأة طاعنة في السن
" – مرحبا
- مرحبا يا ابنتي
- ألم تعرفيني يا خالة فاطمة ؟ ..
- آسفة لقد وهن بصري و لم أعد أميز من تكونين يا ابنتي ؟ ..
- أنا ياسمين ..
- لا أصدق ياسمين تعالي لحضني يا حبيبتي متى أتيت ؟ كيف حالك ؟ كم سنة مرت يا ابنتي ؟ ..
- أتيت منذ ساعات بخير شكرا لك يا خالتي لقد مرت سبع سنوات و ها قد عدت و أنا طبيبة الآن ...
- الحمد لله لقد اشتقنا إليك كثيرا ...
- و أنا أيضا خالتي لقد وجدت منزل أحمد قد تحول إلى كومة من الحجارة ماذا حصل ؟ ..
- لقد انتقل يا حبيبتي ..
- إلى أين ؟
- العنوان مكتوب في ورقة عندي سأعطيك اياها و لكن ادخلي لنتحدث و لتشربي كأسا من القهوة من صنعي لا بد أنك اشتقت إليها ...
- اشتقت كثيرا و لكن سأذهب وسأعود .."
أخذت ياسمين الورقة و ذهبت مسرعة و تنهدت العجوز فهي لم تعرف كيف تخبرها بما جرى ؟ وصلت إلى العنوان الموجود على الورقة تقدمت بخطى مترددة : " ترى أمازال محافظا على عهده ؟ ترى أنسي ؟ و لكنه وعدني أنه لن ينسى ... و لكن ماذا إن أحب غيري ؟ كلا فمشاعرنا أعمق من هذا .. ترى أأذهب ؟ أأطرق الباب ؟ و لكن ماذا ان نسيني ؟ ماذا ان لم يعرفني ؟ ... سأتقدم سيعرفني بالتأكيد .." و همت بأن تتقدم خطوات أخرى حتى رأت الباب انفتح و خرجت فتاة صغيرة شديدة الجمال و وراءها امرأة تبدو في مثل عمرها و هي تقول : " تعالي يا ياسمين إلى أين تذهبين يا حبيبتي ؟ سيرجع والدك قريبا ..."
لم تصدق ما سمعت كاد يغمى عليها ذهبت إلى البحر بكت صرخت ندمت على وثوقها به إلى ذلك الحد لقد وعدها بأنه سينتظرها حتى تكمل دراستها ليتزوجها لقد كان يجن حين عرف أنها ستبتعد عنه و الأغرب من هذا أنه سمى ابنته باسمها .... استرجعت ذكريات عديدة قضتها معه .... قررت أن تكون أقوى و تنسى كل ما له صلة بالماضي و تبدأ حياة جديدة ....
مرت ثلاث سنوات على ذلك اليوم و هاهي في المستشفى أتمت إجراء عملية لأحمد والد ياسمين برفقة زوجها الجراح الماهر و قد كللت بالنجاح ...
و هي تعيش بسعادة مع زوجها و لها ولدان ...
# أماني عبدلي
تعليقات
إرسال تعليق