ذوبان//بقلم الشاعر: أنيس عبيد_تونس


 ذوبان 

                           _________________________


كنّا نتجالس كمتوازييْن 

متجاذبين من فجر الزمان الكبير 

كنّا نتجاذب أطراف القول برفق 

فلا نقطّعه 

وهذا من حرصنا الإيكولوجي على هرمونيا العالم ..

كنّا نركّب على آخر الحرف حرفا 

يُنقذه من السكون ،

فيركبنا الحديث من جديد ،

ونركبه .. 

كنا نستكثر على عضلات الحلق ارتخاءها حين يشحّ الكلام ..

وكنا نستأنف الحديث 

بأصوات جديدة 

نستلّها من آخر ارتطام أو صفير أو أزيز للكواكب المنحلّة ..

يصير الحديث عذبا ..

ويصير الحنين تراتيلا  ..

كنا نتعالق

كنا نتعاشق 

كنا نتجاسد 

وكانت الأرواح في الحين " تتراوح " ..

ندور كحلقات بخاصرة زحل 

والإيقاع ، 

كل الألحان التي انطلقت ذات فجر كوني 

وظلت تتردد في الهناك .. 

ترتطم بسور الكواكب .. 

ترحل في المجرات .. 

ويعود الترددّ إلى الهُنا .. 

وقد لا يعود .. 

ربما تسافر الألحان إلى 

عشّاق آخرين ..

بمجرّات أخرى .. 

ليصير عمر اللّحن أطول من أعمارنا جَمعا ..

هكذا تزرع الألحان البهجة في الكون ..

هكذا تسبح الكواكب راقصة مثلنا في مائها الكوني المثير ..

يسألني نصفي الأنثوي :

ماذا تصنع ..؟

يا نصفي الكائن فيكِ لا أفعل شيئا 

إني أحلب نهود الكواكب 

وأعبُّ حليبها حولين كاملين بعد الأربعين لمناعتي الأنطولوجية الخالصة ..  

وأقتنص أصواتا بعيدة تائهة في كون الله الفسيح ..         أو في الله الفسيح هكذا .. وأكتبها .. 

أكتبها ،

ضد النسيان .. 

وضد الذاكرة الخاوية .. 

وضد العدم الساحق .. 

وضدي.. 

ضدي أنا .. 

أنا القصير بالعمر والذاكرة ..

كنّا .. أكثر مما ينبغي لنا أن نكون ..

وسنكون .. أكثر مما ينبغي لنا أن نكون ..

متصوّفيْن .. 

ولا ينتهي الأمر ..

متصوفيْن .. 

ولا يمرّ العمر ..

ندور كحلقات بخاصرة زحل 

ولا يكف الرحيل 

عن الرحيل ..

تعليقات