|| حزنٌ طريّ
وأفلَتَّ مِن يديكَ الخُيوط
والطّائِرات
طَحينَ الذِّكريات
وشَكل النّاس في وِعاءِ الذّاكِرة
أفلَتَّ الأَمس
وقد كانَ يُعِدّ المَّاءَ والطِّين
لِلرُّعاةِ مُرّوا خِفافا
كالحنينِ مِن وراءِ شبابيِك الطّائِرة
ومَضيتَ
نحو فِضّة السُّؤال
في صحن الوُجود يهمسُ للموتى في الأركان
كالقُطن السّلِس في الحُقول
كالوَرد هُجّ مِن عِطرِه
واتّضح لِلعُشبِ الداشرِ في قميصِ الوِديان
فماذا تقول الآن
ماذا تقول لِثُنائيّات الرّيح في صخب الجِدار
للحِوار
للجلّنار
لِلصّغار وقَفوا قُرب البُكاء ونشرةِ الأخبار
ينتظِرون ساعة الصِّفر لم تأتِ
لِلموْت مات مِن الموْت
لِلبحر جَفّ أسرع مِمّا ينبغي في يوْم الوَداع
لِلتّداعي
لِاِحتِمال سُقوط سلّة الوَقت مِن ذِراعِك أو ذِراعي
ماذا تقول عن التياعك والتياعي
ليْت الفِراق ما كان
وما آن الآوان
ليْت ما مشينا دون دليل في المُدُن الضّريرة
وما ذهبنا لِلبحث
عن الزّاويَة الحادّة في التّفاصيل المُستديرة
ليْت ما مشينا في الطّريق الشّوْكيّ
لِكي نحتفي
أو نختفي في العُشب الضّالِع في اتساع الأرض والمَشاع
ليت ما ذهبنا في قماش الغياب أكثر
وفي احتِمالات الصّنوْبر
يا أيُّها المُمتدّ في روحيّ إلى آخِر الجُدران
ماذا تقول الآن
لِلكفّ قد أمسكت بِالهواء الخشِن
وقد كان يتمشّى وحيدا
في زقاق الذاكرة الصوانيّ وفي الأمسِ الآفل
ماذا تقول للسنابل
للحزن الآتي من البعيد قوافلًا تتوهُ في القوافل
ليت أن الباقي من العمر أكثر
كي يمكن للروح أن تذهب في الممكن
من دون خوض المعارك خلف البحرِ والسواحل
يا أيها الباقي من البقاء
كم جنيتَ علينا
وكم جنينا على روحك في قصدير النقاء
حين قلنا بأنّك ثوبنا الأخير في العراء
وأننا استثناء
إذا ما جاز للطقس سوّاه بالتبر في أصيص الهواء
وأنَّ الماء سيلين
كي نمرّ كجيشٍ أبديٍّ من ثقب الوراء
ليت أنَّ الياءَ ياء
لنعلن في سرِّ الوجود عن سرّنا
لننتهي في آخر الأمر من أمرنا
وندرك الخيوط الطائرة بلا شكلها في الخواء
أو ندرك الوقت المعنّى
حين يكفَّ عن الرقص أو النوم في جوار المعنى
ويمضى إلى شأنه في المدى أبعد
من الأسئلة في وعاء الرأس تكاد تقتلنا
لماذا جئنا؟
لماذا افترقنا؟
ولماذا وقفت الأرض ما بيننا؟!
كأنَّ الحزن جاء أسرع من الضَّوء حتّى بلغنا تأنَّى
يا ليتَ الفراق ما كان
وما وُلِدنا في كوب النسيان
ماذا تقول الآن؟
للجدار الذي قرفصَ على حافة الطريق
وراح يحدِّق في المارّة إلى شؤونهم في الجوار
لعشبة أفلتَت من يد البيت
وراحت تعدو على الإسفلت
والرصيف ينهرها ويلوّح لها بالخوف والتذكار
يا ليت يفضي هذا النهار
عن نهارٍ يستطيع القفز كأرنب بريّ فوق الحصار
يا ليت نصحو بلا قلق
بلا حزن ينتابنا من الرمق إلى الرمق
فنذهب في الحياة خفافًا
كبقعة ضوءٍ في حوض النعنع والأسرار
يا ليتنا نصير الشجر
يقف بلا حزن في الساحات ويرقص
أو ينام في الخلاء
غير آبهٍ بالكون من حولهِ وبالجهات
يا ليت لم نفلتّ من أيدينا حبل الغسيل والنجاة
وانتظرنا قليلًا
لعلّنا نعبر من كمين الحياة .
#ناصر_قواسمي
تعليقات
إرسال تعليق