قراءة في مقاطع من نص بورتريهات للشاعرة نسرين المسعودي
بقلم الشاعرة اسمهان الماجري
ليس من السهل الحديث عن الشعر بالشعر ،ولكن الشعر عندما يتحدث عن نفسه لا نملك إلا أن نصدقه فالشعر أصدق الصادقين ولو سمي الكذوب ،بورتريهات الشعر ،مجموعة مقاطع شعرية ،تغني لنفسها ،للشعر ،هي تسميات مختلفة لشيء واحد ،اخترت منها للقراءة والتأويل ثلاثة مقاطع
-لا يحتاج الشاعر إلى الكلمات
دموعه حارة تفكك كل الملامح
لتكتب الأبد
_تتمزق نعال الشاعر من بوحها للطريق
يقول الإسكافي :
كم مرة شددت أصابعه بالمسامير كي لا تتورم القصيدة
-يقطع الشاعر الطريق مشيا على النيران
وحين يحترق يغمره الماء متأخرا فوق رماده
العنوان عتبة مهمة خاصة في النصوص الحديثة والنقد الحديث وله وظائف مهمة أهمها إضاءة النص فالعناوين كما وصفها "ريفتال"ثريات تضيء النص ،فغرفة القصيدة أو بيتها لا تقام إلا بسقف يحمل ثرية تضيء القصيدة وتفتح البصر على تفاصيل مهمة فيها ،وهذه الثرية تذهب بنا عميقا في تأويل النص أسلوبا ومعنى ،الأسلوب الذي يشخص ،فالأسلوب هو الشاعر
" فلان "
بورتريهات وردت في صيغة الجمع مما يحيلنا على فكرة الشعر الجمع ،الشعر الكثير ،الشعر المتعدد في تسمياته ووجوهه ومعانيه من شاعر لآخر أو ربما من حالة شعرية لأخرى ،فالشاعر كائن حالات وجودية وشعورية ونفسية .
الشاعر في المقطع الأول كائن بكاء ،كائن دموع ،دموع تحيل على هشاشة هذا الكائن المسمى بالشاعر ،وشدة حساسيته تجاه كل العالم ،هو الكائن الذي "يجرحه الماء والهواء "كدرويش ,البكاء إنساني شعوري لكن مع الشاعر يرتقي إلى مرتبة الفن والطقس المقدس ،يبكي بالحبر وعن طريق النص ،دموعه تفكك كل شيء حتى الملامح ،اي تفكك الوجوه بدقة ،الشاعر بالتالي كائن تفاصيل ،يأخذ كل شيء كجزء ،الشاعر كائن ألم يؤلمه كل شيء حتى النقطة والفاصل والنملة بحجمها الصغير في حالة من حالاته النفسية أو الوجودية ،أليس التفكيك محيل على معنى الذرات والصغر والجزئيات؟وهل من كائن تؤلمه التفاصيل الصغيرة أكثر من الشاعر؟الحصاة جبل عند الشاعر متى نظر إليها بكل هشاشته ،ألم يكتب جيمي سانتياغو باكا قصيدا كاملا عن البكاء؟قصيد يصور الشاعر ككائن بماء من درجة أولى ،يحتاج الشاعر الدموع كي يكتب الخلود لأن الخلود لا يكتب بالفرح والسعادة وإنما يحفر بالمأساة .
المقطع الثاني يرقى بنعال الشاعر لمرتبة أعلى من مرتبة النعال عن طريق ذكرها في صيغة الجمع وكأن الشاعر كائن متعدد الأقدام لأن خطوات الشاعر تحتاج سيقانا عديدة ،وهي نعال في علاقة وطيدة بالطريق تتمزق جراء بوحها له بصادق الخطوات ،لكن يبدو أن الطريق يلتحف القسوة ،ولا يفقه لغة حذاء استثنائي ،"حذاء الشاعر"فكل ما يخص الشاعر لا يمكن أن يكون عاديا ،كل مايخص الشاعر يحمل المشاعر والأحاسيس والمواقف من الحياة والوجود ،حتى أن الإسكافي يتعاطف مع الشاعر ومع نعاله ،الشاعر الذي تنشد أصابعه للمسامير وكأنما كتب عليه الترحال الدائم في طرقات الشعر المرهقة ،دون أن ينزع نعاله المتعددة وكأن الحذاء جزء منه وكذلك الترحال ،المسامير رمز للوجع ،رمز لصلب المسيح ،فمرحى بمسيح جديد لا يتوقف عن الضرب في أرض النص بحثا عن ذاته .معذبا ومتعبا
وأخيرا المقطع الأخير ولازال الطريق الشاق للشاعر لا يفارقنا في هذا المقطع ،طريق الشاعر طريق نيران ،وذلك ما يذكرني بقول للشاعر "رضا العبيدي ملخصا في فكرة "الشاعر الحقيقي يدخل الجحيم والشاعر المزيف يدخل الجنة .
الشاعر محكوم بعيش الجحيم محكوم بأن تأكله النار دوما ،لأن الشاعر على درجة عالية من الحس ،الشاعر محكوم بالاحتراق كي يكون حقيقيا ، من لا تتأجج داخله النار ليس مشروع شاعر ،قدر الشاعر أن يحترق ،ليأتيه الماء بردا وسلاما بعد احتراقه حيث لا ينفعه بشيء ،هذا المقطع قائم على شاعرية التضاد نار/ماء
يحترق/يغمره
لكن ايبعث الشاعر من رماده بعد كل خيبة؟اليس الشاعر الصورة الحقيقية من العنقاء؟يحترق لينبعث من جديد ،أليس بعد كل ألم يعيشه الشاعر(الإحتراق)يأتي النص (الماء)بردا وسلاما على قلب الشاعر؟
يقول "أمبرتو أكابال". :إن حدث
وقدمت لك في قصيدة ،كأس ماء
فقرأتها وشعرت ببرودتها
فإن من قدم الكأس لك
يسمى شاعرا
بالنسبة للشاعرة نسرين المسعودي قدمت لنا النار في نص وشعرنا بها ونحن نقرأ وصف النار ،فنسرين شاعرة ،نسرين لم تصف النار بقدر ماجعلتنا نشعر بها وهنا يكمن الشعر ،لا تصف لي النار وصفا دقيقا بل دعني اشعر بها
تعليقات
إرسال تعليق