الشاعرة إسمهان الماجري تكتب___الرواية و التاريخ في باي العربان لجمال الجلاصي


 الرواية والتاريخ في باي العربان لجمال الجلاصي 


كثيرا ما تلاقحت فنون وعلوم إنسانية فيما بينها ،ومنها الرواية والتاريخ، ولقد سبق وأن سمى الدكتور محمد القاضي استناد الرواية على بعض التاريخ ب "التخييل المرجعي" أي خيال وهو سمة العمل الإبداعي الذي يدعى الرواية ،والمرجع أي الواقع المتمثل في التاريخ ،واستخدام التاريخ في الرواية لا يعني بالضرورة اعتبار الرواية التّاريخية أو الرواية التّي تحتوي بعض الومضات التاريخيّة وثيقة تاريخيّة بالضرورة ،ذلك أن الروائي الذي يكتب هذا الصنف من الرواية كثيرا ما يمزج شخصيات تاريخية مرجعيّة حقيقيّة بشخصيّات خياليّة روائية فنيّة من صنع خيال الراوي وهي عبارة عن بهارات فنيّة للخروج بالعمل من الواقع إلى المرتبة الفنية الإبداعيّة ،ولقد سبق وفعل أدباء عديدون ذلك كالبشير خريف في "برق الليل"
وهو ما فعله أيضا الروائي التونسي جمال الجلاصي في روايته "باي العربان"
حيث نجده يحيط فعل تاريخي حقيقي "انتفاضة علي بن غذاهم"بقصص وأحداث أخرى من نسج الخيال.
ومن الأمثلة التّي مزج فيها الراوي بين الخيال والواقع أي التاريخ على مستوى الشخصيّات خاصة في "باب الأقواس"ص 139 ،مسامرة بين علي بن غذاهم وسارة السودانيّة ،فعلي بن غذاهم هو البطل الرئيسي لهذه الرواية وهو شخصيّة تاريخيّة يعرفها كل التونسيين.
لكن شخصيّة سارة السودانيّة شخصيّة خيّاليّة لا مرجع تاريخي لها ،خاصة وأن سيرة علي بن غذاهم في هذه للرواية سيرة متخيّلة أكثر منها سيرة تاريخيّة 
يقول الدكتور محمد القاضي "الروايّة على وجه الخصوص خطاب جمالي تُقدم فيه الوظيفة الإنشائيّة على الوظيفة المرجعيّة ،ومعنى ذلك أن الروائي في أي صنف من أصناف الرواية حتى التاريخيّة هو مطالب بالوظيفة الجماليّة التّي تتكون من ثيمات هامة كاللّغة  والحبكة والأحداث والطرافة على الوظيفة المرجعيّة (الواقع مثلنا هو دون خيال أو إبداع أو إضافة)
لذلك قام الروائي بتبئير شخصية علي بن غذاهم منذ ولادتها كشخصيّة أسطورية شبيهة نوعا ما بالأنبياء حتى أنه سمى فصل ولادته من الرواية ب "ولد الخرافة" جاء في صفحة 83 من الرواية :" في اليوم السابع زغردت الجدة أثناء تنظيفها لحفيدها ،لقد اكتشفت أن الملائكة قد ختنته ليلا ،وظهرت على كتفه الأيسر نجمة خضراء تسر الناظر .
من الأشياء الغريبة التّي حدثت لهذا الطفل أن أغلب نساء النجع قد أرضعنه لأن ثدي أمه لم يكن يكفي لإطعامه ،وكلما رضع من ثدي امرأة تدفق حليبها وزاد نهمه للرضاعة....."
نلاحظ أن هذا الوصف وصف خيالي يؤسطر شخصيّة حقيقيّة   أي أن الوسائل الفنيّة للرواية  قامت برفع الحدث من مرتبة الحقيقة بلا جمالية إلى مرتبة الجمال التخييلي

تعليقات