الخرافة
دلف المقهى الذي اعتاد ارتياده منذ سنوات واتجه إلى ركن منزوٍ كالعادة ، سحب الكرسيّ بهدوء وانتظر قهوته دون طلب .
السيجارة الأولى مع أول رشفة من قهوته السّوداء قليلة السّكر .
لم يكُن مدمنا لكنّه اعتاد ذلك .
بدا كلّ شيء طبيعيًّا وليس هناك ما ينبئ بحدوث أمر غريب .
أخرج قلما من جيبه ودفترا بدا مهترئا ،لقد اعتاد كتابة ما يشغل باله أو ما يؤرقه وكأنّه حمل أثقلَ عليه و وجب التّخلّص منه ، فجأة انتفض وكأنّ صوتا في داخله يقول له " انظر انظر "
رفع عينيه بسرعة ثم أغمضهما ، ظنّ أنّ ما رآه كان من فرط الدّهشة أو مجرّد إعياء للذّاكرة . لكن بفتحهما من جديد تراءى له مشهد غريب. الناس في حركة مشي عكسية . لم تعد الخطوات نحو الأمام بل صار الناس يتقدمون مشيا نحو الوراء وصارت مقاصدهم خلف ظهورهم .
انتصب واقفا و حاول التقدّم إلى الأمام لكنه لم يقو بل كلما همّ بخطوة تراجع إلى الخلف. لم يصدّق ما يحدث أمام ناظريه لولا عقارب الساعة الحائطية التي أضحت هي أيضاً تدور عكسيا .
الأغرب أن الأحداث تجري في ذهنه طبيعيا. لم يكن مثلا استرجاعا للماضي أو الذكريات الخوالي بل لا شيء تغير سوى السّير على الاعقاب ...
لا أحد يصطدم بالرصيف مثلا أو بعمود الإنارة وكأن العيون تحولت في مؤخرة الرؤوس.
سلك طريق العودة للمنزل واستسلم للحركة العكسية ، والامل يحدوه أن يجد أفراد العائلة على طبيعتهم الاولى فيتأكد ان مكروها اصابه ولابد من علاج . لكن الامر أشبه بالمعجزة والجميع يسير الى الأمام بصورة عكسية . هل هي اللعنة قد حلت أخيرا بهذه البلدة ؟ لا أصدق ذلك !
أ يعقل ؟
الأمر لم يكن سوى خرافة تحكيها الجدات لأحفادهنّ في ليالي الشتاء الطويلة . ترى هل كل الخرافات ستتحقق ؟
كانت جدتي تحدثنا صغارا أنه سيأتي زمان على بني البشر تعكس فيه الساعة ويسير الناس إلى الخلف تقدمهم إلى الأمام، سيعلو البنيان ويتعاظم وتزدهر المدن وتضج ليلا نهارا ويتكاثر الناس حتى تثقل الأرض وتبطئ حركتها السرمدية ، سيبلغ الظلم عنان السماء ولن يجرُؤَ كائن على رد المظالم إلى أهلها .
تعليقات
نسق الحياة صار يوحي؛ من شدةتسارعه؛ ان الحركة عكسية؛ غير ان البشر لم يعودوا يتحملون نسق الحياة الجنوني
ردحذفإنقلاب الموازين، ازمة اخلاق كبرى و خلل قيمي يعطل سيرورة الزمن...
ردحذفشكرا لتفاعلك